في عمق الصحراء وفي قلب الثقافة الصحراوية الأمازيغية أُوغلت برمجة الدورة الثامنة والخمسين من مهرجان الحمامات الدولي عبر عرض لمجموعة “تيناريوين” التي تحمل هويتها حيثما حلت.
“مرحبا بكم في الصحراء” بهذه الكلمات استهلت المجموعة “تيناريوين” رحلتها الموسيقية المتفردة لتواصل سرد حكايات عن الهوية والانتماء والمقاومة من خلال مشروع موسيقي موشح بأسرار الصحراء منفتحا على كل الاحتمالات الإنسانية والفنية.
هي ليست المرة الأولى التي تحل فيها هذه المجموعة بمسرح الحمامات الدولي، لتصافح جمهورا يتماهى مع حكاياها التي تروي الحرية والإنسانية والحياة بأسلوب متجذر في هويتها الصحراوية وراسخ في نمط حياة الطوارق.
بثقلها الإنساني والتاريخي والفني والثقافي؛ بلباس الطوارق التقليدي الذي تجوب به العالم، بموسيقاها الموشحة بالثورة والمقاومة، بأصواتها الضاربة في عمق الصحاري، برقصاتها النابضة بالحرية حطت مجموعة تيناريوين على الركح.
حالة من التماهي مع إيقاعات أغاني المجموعة المالِيّة تجلّت في صفوف الجمهور الذي لبى الدعوة إلى الصحراء واستسلم لحديثها ذو الشجن والحنين.
توهامي آغ الحسان وسانو آغ أحمد والأغا آغ آياد وشيخ آغ تيغليا وعبد الله آغ الحسيني وإياد موسى بن عبد الرحمان، أفراد المجموعة الحاضرين على ركح الحمامات كان كل منهم سفيرا لثقافة الطوارق على طريقته.
مفاتيح الطوارق التي توشح أزياء المجموعة، اللثام الذي يغطي وجوه أفرادها ولا يستثني غير الأعين التي تضيف لغة أخرى إلى لغة الموسيقى فتزيد من متانة الوصال مع الجمهور الذي صار جزءا من العرض.
على نسق ألحان وأنغام الطوارق وموسيقى منفتحة على العالم، صدحت أصوات تيناريوين بلهجة “التماشق” الأمازيغية التي تعد لغة رئيسة لأغانيها وأعادت إحياء أهازيج قديمة وتراثية.
موسيقى تقوم على المزج بين إيقاعات “الجامبي” (طبول) ونغمات الغيتار والغيتار باص تصاعدت في أرجاء مسرح الحمامات لتعكس البصمة المتفردة لهذا المشروع الفني الذي يحاكي أسلوب حياة الطوارق.
لغة تيناريوين تبدو في ظاهرها غير مفهومة ولكن سحرا ما يغلفها، فتتسرب منها هواجس المجموعة ورسائلها بشكل يتيح لك تخيل القصص التي يحكونها عبر موسيقاهم، قصص لا تخلو من ثالوث الصحراء والحب والحياة.
من الكفاح المسلح إلى الثورة الموسيقية، تواصل مجموعة تيناريوين النضال من أجل الأرض والهوية، سلاحها ألحان وكلمات نابعة من عمق الصحراء، ومطرزة بعزيمة الأحرار.
وعلى ركح الحمامات، التحق السفير المتجول لثقافة الطوارق، الحسيني آغ شيخو بالمجموعة مرتديا لباس الطوارق التقليدي المفعم بالألوان والرموز ليعزز الرسالة القائمة أساسا على تعلق الطوارق بهويتهم.
وطيلة عرض “تيناريوين” تبدت علامات التفاجؤ في أعين المجموعة من الحضور الكثيف للجمهور ومن تفاعله الحي مع إيقاعاتها، وهو ما أكده أعضاء المجموعة في الندوة الصحفية التي عقبت العرض.
كما أعربت المجموعة عن سعادتها بوجودها في تونس وتفاجؤها بعدد الجمهور الذي تزايد عن أول حضور لهم على ركح الحمامات، وهو ما يعني أن موسيقاها تمس التونسيين بأجيال مختلفة، وفق قولها.
تتواصل سهرات مهرجان الحمامات الدولي، وسيكون للجمهور موعد مع عرض “نجمات في الكون” للفنانة التونسية ليلى حجيج، وذلك في سهرة 17 جويلية 2024.