تمهيدا لتسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة ذاكرة العالم لدى اليونسكو، نظّمت لجنة دعم تسجيل مقدمة العلّامة التونسي ابن خلدون (1332-1406) في سجل “ذاكرة العالم” لدى اليونسكو جولة في قلب المدينة العتيقة بتونس العاصمة تحت عنوان “جولة على خطى ابن خلدون” شملت عددا من المعالم التاريخية وهي مكتبة مدينة تونس “دار بن عاشور” ومكتبة الخلدونية، إلى جانب زيارة المنزل الذي وُلد فيه ابن خلدون وترعرع والمدرسة القرآنية التي تلقى فيها العلّامة تعليمه في طفولته.
ورافق الزوّار إلى هذه المعالم المؤرّخ عبد الستار عمامو الذي قصّ على الحاضرين بعضا من الأحداث التي عاشها عبد الرحمان ابن خلدون. وقد ذكر بالخصوص أن ابن خلدون عندما قدم أهله من الأندلس إلى تونس في العهد الحفصي أي فترة حكم مؤسس الدولة الحفصية أبو زكرياء يحيى الحفصي الذي كان حاكما على إحدى مناطق اشبيلية في الأندلس قبل قدومه إلى تونس وتأسيس الدولة الحفصية.
ويُضيف عبد الستار عمامو أن عائلة ابن خلدون لم يجدوا صعوبة في الاندماج بتونس ويصبحوا من الأعيان والمقرّبين من السلطان الحفصي أبو زكرياء يحيى الحفصي، فقد كانوا قضاة في بلاد الأندلس ومقرّبين من هذا السلطان منذ أن كان حاكما في اشبيلية قبل القدوم إلى تونس وتأسيس الدولة الحفصية. ويذكر عمامو أيضا أن عائلة ابن خلدون استقرّت بالقرب من جامع الزيتونة وكانت مقرّبة من السلطان الحفصي.
ويروي عبد الستار عمامو أن ابن خلدون وُلد في اليوم الأول من شهر رمضان سنة 732 هجري الموافق لـ 27 ماي سنة 1332، وقد تلقّى تعليما في طفولته من قبل والدته ثم التحق في سنّ صغيرة بالمدرسة القرآنية المحاذية لمنزله. وأكد أن هذا العلّامة استوفى جميع الدراسات والعلوم التي تلقاها في تلك الفترة وهو في سنّ 17 من عمره ممّا أهله للعمل في الديوان الأميري للدولة الحفصية.
وعن لقب العلّامة، لاحظ عمامو أن هذا المصطلح الذي لُقّب به ابن خلدون يعود لكونه كان يضع العلامات والخواتيم على القوانين بعد أن كلّفه بها أمير الدولة الحفصية، لذلك جاءت كلمة “العلّامة” من وظيفته التي يقوم بها في الديوان الأميري للدولة وهي وضع العلامات والخواتيم على النصوص القانونية.
وقال عبد الحميد الأرقش، وهو المنسق العام للجنة الدولية لدعم تسجيل مقدمة العلامة التونسي ابن خلدون (1332-1406) في سجل “ذاكرة العالم” لليونسكو، “بدأنا أولى الخطوات لتسجيل مقدمة ابن خلدون على لائحة التراث العالمي لليونسكو كتراث إنساني مشترك لكلّ البلدان التي ساهمت في إعادة التعريف بابن خلدون بما فيها بعض الدول الغربية ذكر من ضمنها المدرسة الاستشراقية الفرنسية والأنقليزية.
وأفاد في تصريح لـوكالة تونس أفريقيا للأنباء، بأن ابن خلدون كتب “المقدّمة” على مراحل خلال رحلاته بين تونس حيث وُلد ونشأ والجزائر والمغرب ومصر، وأهدى منها نُسخا لأمراء هذه الدول، لذلك ظلّت آثار المقدّمة في عدة أماكن. وأضاف: “عندما وقع الإقرار بأن ابن خلدون هو الأب العلمي والعقلي لعلم الاجتماع، تفطّن العرب أنهم يمتلكون في تراثهم منابع نهضتهم العلمية”.
وعن تأخّر تقديم هذا الملف رغم أن العمل عليه كان انطلق سنة 2017، قال الأستاذ والباحث في التراث عبد الحميد الأرقش إن “الملف أُقبر من بعد تقاعده موفى 2017، ثم أعاد اليوم إحياء الملف”.
وبيّن أن تكوين ملف مشترك يندرج في سياق أن أفكار ابن خلدون موزعة ومتداولة في العالم وهي مدروسة أيضا ومترجمة، “لذلك أردناه تراثا عالميا مشتركا وعنوانا من عناوين نقد الواقع الأليم للعولمة العنيفة التي فرّقت الشعوب”. وبحسب عبد الحميد الأرقش، فإن أقدم مخطوط لمقدّمة ابن خلدون يوجدا حاليا في تركيا التي استحوذت عليه أثناء التوسع العثماني في مصر.